المكان: غرفة الصالون - منزل العروس..
الحدث: لمعت عيون أهل العروس وهم ينظرون إلى العريس المتقدم لابنتهم، الجاهز "من مجاميعه"، والذي يندر أن يوجد مثله في هذا الزمان "اللي قرّب الابن فيه يأكل أبوه
"؛ فالعريس شاب لم يبلغ الثلاثين بعد، متخرج في كلية الهندسة، ويملك شقة في حي راقٍ، وسيارة "آخر موديل"، ورصيداً مقبولاً في البنك، يضمن لابنتهم حياة مستقرة لا تتأثر بأي زلازل اقتصادية محلية أو عالمية، "مستريّح مادياً م الآخر يعني"..
وأشرقت الدنيا و"زهزهت" في عيونهم، وهم يتنفّسون الصعداء بقرب "انزياح" ابنتهم أخيراً إلى "بيت العَدَل"، فهذا هو العريس الذي لا يقول له أحد "لأ".
عادت العروس وأمها تدريجياً من أحلام اليقظة على صوت الأب، وهو يسأل العريس:
- "وإنت بتشتغل إيه بقى يا "وليد" يا ابني؟"
- "والله يا عمي أنا الوظيفة ما بتأكّلش عيش، فقلت أشتغل حر".
ابتسم الأب وهو يزداد إعجاباً بزوج ابنته المستقبلي، وقال:
- "ما شاء الله.. ما شاء الله يا ابني! كويس إن شاب في سنّك وعنده العقلية دي.. ويا ترى بقى بتشتغل في إيه؟"
- "يعني يا عمي، عندي شنطة سباكة صغيرة كده، والأوردرات طول النهار شغالة ع الموبايل، وأديني باكل منها الشهد الحمد لله".
مع آخر كلمات العريس أفاق أهل العروس تماماً من أحلام يقظتهم، وإن كانوا لم يستوعبوا حرفياً معنى كلام العريس؛ مما جعل أباها يعيد السؤال بشكل أوضح:
- "يعني بتشتغل.. سباك..!!؟"
قال العريس وهو لا يزال مبتسماً:
- "أيوه يا عمي".
بُهت أهل العروس، بعدما اكتشفوا أن هذه الإجابة كانت إيذاناً بـ"فشكلة" الموضوع، والجلوس في انتظار "العَدَل" لابنتهم من جديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان: طاولة في أحد النوادي المعروفة.
الحدث: أنزل الجرسون محتويات صينيته، وهو يبتسم بعد مشاهدة المجموعة الملتفّة حول الطاولة، وقد فسّر الأمور بطريقته، بأن هذا لا يمكن أن يخرج عن كونه لقاء تعارف بين أسرتين بغرض الزواج.
وبعد أن غادرهم الجرسون وهو يلقي نظرة سريعة على العروس، ويحسد العريس المنتظر في سره؛ قالت والدة العريس وهي تنظر للعروس، وتبتسم ابتسامة مصطنعة:
- "وعروستنا بقى بتشتغل إيه؟ هههههه"
أطرقت الفتاة بنظرها لثانية وهي تفرك يديها في توتر، فقد جاء السؤال الذي طالما خشيت أن يأتي..
حاولت أم العروس "الغلوشة" سريعاً على السؤال، وقالت وهي تتظاهر بعدم سماعه:
- "دي "نونّا" طبّاخة برييييمو!".
استوعبت أم العريس "الأروبة" محاولة نظيرتها، فأعادت المناورة:
- "آه ما هو لازم طبعاً البنت تبقى طباخة شاطرة بس ده مايمنعش إنها برده تشتغل، وآهو في الآخر كله رايح لبيتها، ماقلتيليش بقى يا حببتي بتشتغلي إيه؟".
أدركت الفتاة أنه لا مهرب من الإجابة عن سؤال حماتها المستقبلية؛ فقالت بصوت يشبه الهمس:
- "أنا بشتغل.. Housekeeper يا تانت".
اتسعت عينا أم العريس، وهي تحاول استيعاب ما سمعت، وسألت في نبرة مصدومة:
- يعني.. بتشتغلي في البيوت؟؟
أجابت البنت في محاولة أخيرة للتشبّث بفرصة النجاة من العنوسة:
- "مش بالمعنى ده يا تانت.. أنا باساعد مدام "كوكي" بس في البيت، مديرة منزل يعني".
هبّت أم العريس واقفة وهي تشدّ ابنها من يده صارخة:
- "يلّا بينا يا حبيبي.. هو آخر تعبي وشقايا فيك أجوّزك خدامة؟!!!"
زي ما شُفنا.. الموقفين اللي اتحطّ فيهم "وليد" و"نونّا"، مش مواقف من الأفلام ولا "شغل سيما"، دي مواقف وحكايات واقعية، أنا وإنت سمعنا زيها من جيراننا وصحابنا، ويمكن قرايبنا، ويمكن حصلت جوه بيوتنا.
كتير أوي بيبقى شباب جامعي؛ بل وخريجي كليات مرموقة؛ ولكن بيكتشف حقيقة الواقع والمرتبات وأزمة التوظيف؛ فبيقرر يشتغل أي حاجة مالهاش علاقة بالمؤهل الجامعي اللي هو مبروِزه في الصالون..
وبالفعل يلاقي فرصته في وظيفة أو حرفة من التي ينظر لها المجتمع نظرة دونية، باعتبار أفرادها من طبقة أدنى اجتماعي
إحنا شخصياً صادفنا نماذج كتير من دي.. منهم المهندس المعماري اللي بيلفّ طول النهار بعربية لبن، ومنهم اللي بيشتغل الصبح مدرس وبعد الضهر قهوجي، ومنهم خريج التجارة اللي مالقاش شغل بشهادته فاشتغل نقاش، ده غير الشباب اللي زي الفل وتلاقيه معاه شهادة محترمة وبيشتغل "طيار" بيوصل الطلبات للمنازل، أو Office Boy في مكتب بيعمل شاي وقهوة..
ومنهم البنات الكتير اللي معاهم ليسانسات وبكالوريوسات وبيشتغلوا في محلات الملابس في وسط البلد، أو في مطاعم الوجبات السريعة.
ودلوقتي بقى فكّر مع نفسك وتعال قول لنا..
يا ترى لو إنتِ في مكان عروسة "وليد"، هتسيبي باباكي يطرده، لمجرد إنه مش بيشتغل شغلانة تقدري "تتفشخري" بيها قدام أصحابك وقرايبك وأي حد يسألك -سؤالاً ليس وراءه أكثر من فضول القيل والقال- عن مهنة عريسك، أم أنكِ ستفكرين بمنطقية، وتحكمين على الشاب من منطلق أخلاقه وتديّنه والمستوى اللائق مادياً؟؟ خاصة وأنه متعلم ويحمل شهادة جامعية؟
ولو إنتَ مكان عريس "نونّا"، هتسيب مامتك تسحبك من إيدك وتمشوا، وتفوّت فتاة جميلة مهذبة وفوق ده كله "طباخة بريمو"، لمجرد أنها تعمل في مهنة لا تليق بمستوى أسرتك؟ ولن تستطيع والدتك أن تفاخر بها صديقاتها في جلسة النميمة الصباحية بالنادي.. أم إنك ستفكر بموضوعية، وطريقة عملية، ولن تهتم بما يقوله الآخرون، ما دمت أنت سعيداً باختيارك للفتاة وراضياً عنها؟
فكر بأمانة، ومتتأخرش علينا!!!
مع الاحترام التام والكامل لأصحاب تلك المهن